Do you thik that these are the best solution?


عمليات حفظ السلام

المبحث الأول: الأساس القانوني لعمليات حفظ السلام وأهم مبادئها ومكوناتها:
ان عمليات حفظ السلام وهي الصورة الرئيسية والهامة للنشاط المادي للأمم المتحدة في مجال حفظ السلام والامن الدوليين، وحيث ان نشر قوات حف السلام الدولية في اراضي دولة ما يثير كثير من القضايا القانونية خاصة مع وجود سمات مختلفة ككل عملية من عمليات حفظ السلام، لذلك فان تحديد النظام القانوني للقوات الدولية يصبح مسألة تحتاج الى توضيح وبيان.
ولهذا سنحاول من خلال هذا المبحث تحديد النظام القانوني لعمليات حفظ السلام، من خلال الوقوف على الأساس القانوني لعمليات حفظ السلام، وكذا نظام الحصانات والامتيازات الدولية اليت تتمتع بها هذه القوات (مطلب أول) واهم مبادئ ومكونات هذه القوات في (مطلب ثاني).
المطلب الاول: الأساس القانوني لعمليات حفظ السلام:
سنطرق في هذا المطلب الاول الى السند القانوني لعمليات حفظ السلام (فقرة أولى) وكذا خضوع قوات حفظ السلام الدولية لنظام الحصانات والامتيازات في فقرة (فقرة ثانية).
الفقرة الاولى: السند القانوني لعمليات حفظ السلام:                   
تباينت آراء فقهاء القانون الدولي حول الطبيعة القانونية لعمليات حفظ السلام الدولية على ضوء خلو ميثاق هيأة الأمم المتحدة من اشارة صريحة بخصوص قوات السلام الدولية، ولما كان جهازا الامم المتحدة المتمثلة في مجلس الامن والجمعية العامة المتمتعان بالشرعية الدولية في ما يخص اصدار القرارات والتوصيات المنشئة لهذه القوات.
1- اولا: دور مجلس الامن في انشاء عمليات حفظ السلام:
يرى اتجاه فقهي ان مسؤولية مجلس الامن في انشاء قوات حفظ السلام الدولية تنطلق من نص المادة 24 من الميثاق، التي أوكلت لمجلس الامن مهمة حفظ السلام[1] والامن الدوليين، كما ان المادة 33 من الميثاق، قد أعطت الحق لمجلس الامن في اتخاذ الوسائل والإجراءات السلمية لفض المنازعات الدولية.
ويرى اتجاه آخر بان عمليات حفظ السلام تستند الى بعض احكام الفصل السابع من الميثاق، فالمادة 40 اعتبرت اساسا قانونيا لانشاء هذه القوات، كما ان المادة 41 و 42 تعتبر كذلك اساسا قاونيا لانشاء هذه القوات[2].
وهناك فريق آخر يقول على ان عمليات حفظ السلام، لا تنتمي الى اي من الفصلين السادس والسابع، بل تندرج في اطار فصل جديد وسيط بين الفصلين، حيث ان هذه القوات تتميز عن عمليات القمع بأنها تدخل اقليم الدولة المعنية برضاها كما انها تعمل كقوات فاصلة بين المتنازعين في الحروب الدولية والاهلية[3].
فيما ذهب فريق ثالث الى القول بأن قوات حفظ السلام تعد جهازا ثانويا، يساعد مجلس الامن في اداء مهامه بمقتضى نص المادة 29، التي تنص على ان لمجلس الامن ان ينشئ من الفروع الثانوية ما يرى ضرورة لأداء وظائفه[4].
ثانيا: دور الجمعية العامة في انشاء قوات حفظ السلام:
ثار خلاف بين الفقهاء حول سلطة الجمعية العامة في انشاء هذه القوات والأساس القانوني التي تستند اليه السلطات، فهناك رأي من الفقه ذهب الى القول بأن سلطة الجمعية العامة ترجع الى نصوص الميثاق وخصوصا المواد من 10 الى 14 التي تخولها اتخاذ القرارات في مجال حفظ السلم والامن الدوليين، وفي مقابل ذلك هناك رأي ثاني يشير الى ان انشاء قوات حفظ السلام الدولية تستند الى سلطة الجمعية العامة بانشاء اجهزة فرعية حسب منطوق المادة 22، التي تعطي للجمعية العامة الحق في انشاء الاجهزة الثانوية ما نراه ضروريا للقيام بوظائفها، وذهب رأي ثالث الى القول بان سلطة الجمعية العامة في انشاء قوات دولية لحفظ السلام مستمدة من قرار الاتحاد من اجل السلام الذي فوض للجمعية العامة الحلول محل مجلس الامن لحفظ السلم والامن الدوليين[5].
اما في ما يخص رأي محكمة العدل الدولية بتاريخ 20 يوليوز 1962 ان انشاء قوات حفظ السلام يدخل فقط في نطاق الاختصاص المحجوز لمجلس الامن، واعتبرت ان هذا القول قائم على اساس غير قانوني، وانتهت المحكمة الى ان تشكيل هذه القوات لا يدخل في اطار الفصل السابع مادام ان هذه القوات ليست من اعمال القسر، بل ان إنشائها يعتبر تدبيرا وفقا للمادة 14، من الميثاق[6].
الفقرة الثانية: تطبيق نظام الحصانات والامتيازات على قوات حفظ السلام الدولية:
يتمتع المراقبون الدوليون بالحصانات المنصوص عليها في اتفاقية الحصانات والامتيازات المقررة لموظفي الامم المتحدة، ففي بعض الاحيان تطلب المنظمة الأممية من الدول المظيفة للمراقبين العاديين المزيد من الحماية تصل الى حد المعاملة الممنوحة الى البلوماسيين الأجانب[7].
خصوصا الحصانة من التوقيف او الاعتقال، وحصانة قضائية في اطار التصريحات والتصرفات المتخذة اثناء تنفيذ مهامهم، وحصانة الوثائق ووسائل الإتصالات، والحرية الكاملة في الإنتقال والتحرك.
اما قوات حفظ السلام الدولية، فإنه يتم منحها مجموعة من الحصانات والامتيازات تسمح لها بحرية الحركة والاتصالات وكل الامتيازات والحصانات اللازمة لممارسة وظائفها.
فقائد القوات الدولية لحفظ السلام يتمتع بنفس الحصانات والامتيازات الممنوحة للأمين العام للأمم المتحدة وإلى الأمناء العامين المساعدين وفقا لما تضمنته المادة 7 الفقرة 27 من اتفاقية حصانات وامتيازات موظفي الأمم المتحدة والتي دخلت حيز النفاذ في 17 دجنبر 1947.
اما ضباط الوحدات المشاركة، فإنهم يتمتعون بالحصانات والإمتيازات الواردة في المادة 6 من الإتفاقية المشار اليها.
اما بالنسبة لأفراد قوات حفظ السلام الدولية فإنهم يتمتعون بحصانات جنائية تحجب اختصاص محاكم الدولة التي يرابط فيها افراد هذه القوات حيث تعفى قوات حفظ السلام الدولية من الخضوع للإجراءات القضائية الموجودة في القانون الداخلي للدولة المضيفة، ويرجع إقرار هذه الحصان لصالح المهمات التي تقوم بها هذه القوات تحيقا لأغراض الأمم امتحدة وليس لفائدة الأشخاص، فهم يخضعون للقضاء الجنائي للدولة التي يحملون جنسيتها.
اما بالنسبة للحصانات المدنية فانه ينبغي التمييز بين التصرفات التي حدثت اثناء المهمة الرسمية لقوات حفظ السلام، وتلك التي وقعت خارج اطار هذه المهمة، وفي الحالة الأولى لا يخضع افراد القوات الدولية الى اختصاص محاكم الدولة المضيفة ولا يمكن ملاحقتهم، اما في الحالة الثانية فينعقد اختصاص محاكم الدولة المضيفة بعد توفر عدد من الضمانات الإجرائية بان تمنح سلطات الدولة المضيفة ومحاكمها الامكانية الكافية لأفراد هذه القوات للدفاع عن حقوقهم كما يمكن للأمين العام للجمعية العامة طبقا للمادة 5 الفقرة 20 من الاتفاقية المشار اليها سابقا ان يرفع الحصانات الممنوحة الى الموظف الدولي في الحالات التي تمنع فيها الحصانات سير العدالة[8].
كما ان الحصانات والامتيازات التي تتمتع بها قوات حفظ السلام الدولية، تجد سندها كذلك في الاتفاقية التي تبرمها الدولة المقدمة للقوات والأمين العام للأمم المتحدة والدولة المضيفة.

المطلب الثاني: مبادئ ومكونات عمليات حفظ السلام:
ظلت عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام منذ أكثر من ستين سنة تستند الى مبادئ اساسية طبقت باستمرار لتشكل احدى الأدوات الرئيسية للمنظمة في حفظ السلم والأمن الدوليين (فقرة أولى)، كما ان عمليات حفظ السلام، تضم عدة مكونات، فيمكن ان تكون عمليات حفظ السلام مكونة من العناصر المدنية او العناصر العسكرية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: مبادئ عمليات حفظ السلام:
تخضع عمليات حفظ السلام منذ تأسيس هيئة الأمم المتحدة الى عدة مبادئ وقد اعتبرت هذه المبادئ منذ سنة 1956، اهم العناصر الأساسية لحفظ السلام والتي تشكل في مجملها بوصلة الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم الدولي.
ويمكن ايجاز هذه المبادئ فيما يلي:
اولا: موافقة الأطراف:
تعتبر موافقة الدولة المضيفة لقوات حفظ السلام عنصرا اساسيا في نظرية حفظ السلام، فنشر قوات الأمم المتحدة لا يجري إلا بموافقة الأطراف الأساسية في النزاع، لأن مبدأ السيادة ما يتفرع منه من احترام سلامة الأراضي يحميان أية دولة ضد دخول أراضيها وتبدو اهمية هذا العنصر، في ان الدول لا تقبل الا على مضي وجوت قوات عسكرية اجنبية على اراضيها، حيث ان قبول وموافقة الأطراف المشاركة ضروري من امكانية نجاح المهمة وضمان تعاون الأطراف المعنية[9].
وقد اوضح تقرير خاص اعده الامين العام لهيأة الامم المتحدة في 18 ماي 1967 هذه الاهمية "ان موافقة الدولة التي تستضيف قوات حفظ السلام الدولية، هي قاعدة اساسية طبقت في عمليات حفظ السلام[10]" (مصر كنموذج).
اما فيما يخص النزاعات الداخلية فيجب ان تتمتع قوات حفظ السلام بموافقة القادة المتمردين اللذين يمثلون الشعب او قسما منه، الى جانب رضى السلطات المتمثلة للدولة لأنه من الطبيعي ان يجري الوقوف على آراء جميع الأطراف المعنيين بالنزاع، وإلا فإن العملية قد لا تلاقي كل التعاون الضروري لنجاحها كما هو الحال مع الحالة الصومالية.

ثانيا: عدم التحيز:
ان الحيادية مبدأ اساسي للحفاظ على موافقة وتعاون الأطراف الرئيسة في النزاع، وهي بحسب جارات شوبرا كالموضوعية التي عن طريقها يتم تنفيذ العمليات أكثر من الخضوع لرغبة الأطراف المشاركة.
وتعتبر الحيادية من وجهة نظر كونها أوكسجين حفظ السلام وبدونها لا يمكن لعمليات حفظ السلام ان تنجح او ان تكتسب ثقة الطرفين، لذلك فإن عملها يجب ان يتسم بالوضوح والشفافية، وابقاء جميع خطوط الإتصال مفتوحة في وجه جميع الأطراف المشاركة، لأن التخلي عن هذا المبدأ بقصد أو غير قصد يعني أن قوات حفظ السلام يمكن أن تصبح عدوا للأطراف المشاركة.
ويمكن ان يتعرض مبدأ الحياد الى الخطر عندما يلجأ أحد أطراف النزاع الى وضع العراقيل والعائق أمام قوات حفظ السلام ليتحول بينها وبين بلوغ اهدافها وغاياتها[11].
ثالثا: عدم استعمال القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس:
ان قوات حفظ السلام الدولية، لا تملك استخدام القوة العسكرية انطلاقا من العمليات التي تقوم بها والتي تستند الى رضى الدول الأطراف في النزاع ولا تهدف الى ترجيح كفة فريق على آخر في الميدان، وهي ليست أداة لفرض السلام، بل يتم تزويدهم بأسلحة دفاعية خفيفة، ولا يسمح لهم باستخدامها الا في الدفاع عن النفس.
الفقرة الثانية: مكونات عمليات حفظ السلام:
يمكن ان تتكون عمليات حفظ السلام من المدنيين والعسكريين في آن واحد.
أولا: المكون المدني:
يمثل الإدارة المدنية لعمليات حفظ السلام ويقوم الأمين العام كقاعدة عامة بتعيين أعضاء هذه الإدارة من موظفي الأمم المتحدة الموجودين لديها[12]، وينظم المكون المدني الموظفين والخبراء ومراقبين للإنتخابات الذين يقومون بتنظيم وإدارة الأنتخابات ومراقبتها والتحقق منها، وكذا العاملون ضمن الوكالات الإنسانية والمختصون في الشؤون المدنية والإتصالات والمسؤولون عن رصد حقوق الإنسان، وتوضح لشروط الخاصة بخدمة الموظفين المحليين وهذه خدمتهم بالتنسيق مع قائد العملية[13].
ثانيا: المكون العسكري:
يشمل المكون العسكري المراقبين العسكريين ويتكونون من بعثات المراقبين وتتكون من الضباط غير المسلحين، يكونون مسؤولين عن مراقبة وقف اطلاق النار والتحقق من انسحاب القوات ومراقبة الحدود، ورصد المخالفات، غير ان عملهم هذا يكون خالي من اية عملية مسلحة، ويقومون على إثر ذلك برفع تقارير الى الأمم المتحدة، بشكل دوري لإتخاذ ما يلزم من التدابير[14].
ثم قوات حفظ السلام وهي مكونة من وحدات مسلحة تسليحا خفيفا، غير مصرح لها باستخدامها الا في حالة الدفاع عن النفس وهم يقومون بدور المراقب لحالات الصراع التي قد تنشأ بعد هذا النزاع ومساعدة الأطراف المتنازعة على تنفيذ اتفاقيات السلام، ومن أمثلة ذلك قوات حفظ السلام بالكونغو والصومالوانغولا والتي تحضى بمشاركة مغربية.
ثم كذلك الشرطة المدنية التي تضطلع بمهمة الإشراف على عمل الشرطة المحلية من أجل استثباب الأمن والإحترام التام لحقوق الإنسان، هذا المكون يتطلب موفقة الدولة المضيفة لوجودها.

المبحث الثاني: مظاهر وحدود المساهمة المغربية في عمليات حفظ السلام في افريقيا:
انخرط المغرب في عمليات حفظ السلام انخراطا نوعيا خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وذلك انسجاما مع التطورات التي شهدتها هذه العمليات، وبذلك توسعت مشاركته فيها الى اكثر من منطقة في العالم، لكن تبقى هذه المشاركة مرهونة بموازين القوى على صعيد السياسة الدولية وإرادة الدول الكبرى ومصالحها، لتشكل بذلك جملة من الحدود التي تصبح لعوامل غير محفزة لتفعيل المغرب لرؤيته ومساهمته في حفظ السلام والمشاركة فيها.
المطلب الأول: مظاهر المساهمة المغربية في عمليات حفظ السلام في افريقيا:
لقد سعى المغرب دائما لكي يكون حاضرا في مختلف مناطق العالم للمساعدة على احلال السلام العالمي تحت راية الامم المتحدة مع تفادي المشاركة في النزاعات ذات الطابع العسكري حفاظا على علاقته المتميزة مع كل اطراف النزاع وتماشيا مع دعوته الى تغليب منطق الحوار والحل السلمي على خيار اللجوء الى استعمال القوة، وهو ما تبين جليا من خلال حضور القوات المغبية في عمليات حفظ السلام سواء المنتهية او التي لازالت جارية[15].

الفقرة الأولى: المساهمة المغربية في عمليات منتهية:
- المشاركة المغربية في عملية الأمم المتحدة في الكونغو يوليوز 1960- يونيو 1964.
- عملية السلام في الكونغو جاءت عقب جملة من الأحداث التي عرفها هذا البلد، فبعد استقلاله غادره البلجكيون بصفة مفاجئة دون تهيئته لتسيير شؤونه، حيث لم يكن عدد الكونغوليين الحاصلين انذاك على دبلوم جامعي يتجاوز عشية الإستقلال 17 شخصا[16]. ومن ثم أصبح الكونغو الحديث العهد بالإستقلال بدون ادارة ولا نظام قضائي ولا قوات لحفظ النظام مما ساهم في اندلاع الفوضى وظهور عدة حركات انفصالية مثل حركة انفصال[17] اقليم كاطنغا بزعامة تشيمبي.
وفي اعقاب هذه التطورات أصدر مجلس الامن قراره رقم 143 في 13 يوليوز 1960 والذي يهدف الى انشاء عملية الأمم المتحدة في الكونغو[18].
وبموجب هذا القرار استجاب المغرب لنداء الأمم المتحدة سريعا، وأوفد تجريدة عسكرية (مشاة ومظليين)، وبعثة مدنية تحت رئاسة محمد بوستة تتكون من عشرات الأطر، اطباء ومهندسين واداريين لتسيير ادارة الأشغال العمومية والبريد والصحة العمومية والعدل والإدارة العامة وغيرها[19]، وقد بلغ افراد الكتائب المغربية حوالي 4000 رجل ما بين ضباط الصف وجنود ورجال الدرك، وكانت تحت قيادة الجنرال حمو الكتاني الذي عين خليفة لرئيس القيادة العامة التابعة للأمم المتحدة وذلك اخذا بعين الإعتبار المبادرة المغربية التي سعت الى الحفاظ على السلام وعلى المستوى الإفريقي[20].
انتشرت القوات المغربية في جميع انحاء الكونغو، وكان همهم هو الأتصال بالجنود الثائرين وإرجاعهم الى ثكانتهم وتجريدهم من السلاح وحماية المصانع والمزارع كما اسندت لهم مهمة تنظيم القوات الكونغولية وتنظيم وزارة الدفاع ورئاسة اركان الحرب[21] وكما اعاد الضباط المغاربة تنظيم الشرطة الكونغولية باحدى الأقاليم.
كما شجع الجنود المغاربة المقاولين واصحاب المعامل على استئناف اعمالهم، وهكذا استأنفت الأبحاث التمهيدية الخاصة ببناء سد انيكا واعيد فتح ميناء بوما على نهر الكونغو الشيء الذي جعل القيادة العليا للأمم المتحدة تعبر عن اعجابها وتنوه بالمجهودات الذي قدمه المغرب لإعادة بناء الكونغو، وقد انسحب المغرب  من الكونغو الى جانب القوات الأممية بتاريخ 30 يونيو 1964.
- المشاركة المغربية في بعثة الأمم المتحدة للصومال ابريل 1992- مارس 1995: منذ سقوط نظام سياد بري في يناير 1991 تفجر الصراع في الصومال واندلعت حرب اهلية ضروس تمركزت في مقديشو في البداية ثم انتشرت في جميع انحاء البلاد فيما بعد.
وامام تلاشي الدولة الصومالية وتفاقم الوضع الإنساني أصدر مجلس الأمن قرار 751 في 24 ابريل 1992 وعلى اثره تشكلت عملية الأمم المتحدة الأولى بالصومال حيث بدأت في الإنتشار في 28 ابريل 1992 بهدف مراقبة وقف المعارك بين الأطراف المتصارعة لكن ذلك لم يحل دون استمرار العمليات المسلحة الشيء الذي أعاق عمليات توزيع الإغاثة للصوماليين، وعلى ذلك اصدر مجلس الأمن القرار 794 الذي فوض للقوات المتعددة الجنسيات التي قادت الطور الأول مهمة اقامة جو آمن لعمليات الإغاثة الإنسانية في اطار ما يسمى بعمليات إعادة الأمل التي سوف تتحول فيما بعد الى ONUSOM II.
وفي هذا الصدد قرر المغرب ان يشارك في عملية اعادة الامل في 16 دجنبر 1992، فتوجهت تجريدة مغربية قدرت ب 1250 من القبعات الزرق الى الصومال، وكانت تضم هيئتين طبيتين اجماعيتين، بتحضيرات طبية ملائمة ومستشفى متنقل يضم عدة اختصاصيين في مجال التغدية والوقاية الغذائية وطب الأطفال، حيث بلغ مجموع الصوماليين الذين تمت معالجتهم نحو 30 الف شخص، وقد انيطت بقوات التجريدة المغربية مسؤولية حماية القاعدة الجوية اليت توجد بها نحو 20 طائرة مروحية تابعة للأمم المتحدة، وساهمت في فتح مدرسة WAN LAWON التي اغلقت منذ 12 سنة.
وبذلك فقد قامت التجريدة المغربية بدور مزدوج في الصومال، فبالإضافة الى اسهامها في تمكين المنظمات الإنسانية في القيام بعمليات الإنقاذ فإنها قدمت بدورها اعانات انسانية مهمة للشعب الصومالي الذي تركت لديه انطباعا ايجابيا بعد عودتها الى ارض الوطن في ابريل 1994.
- المساهمة المغربية في بعثة الأمم المتحدة للتحقيق في انغولا:
في 20 دجنبر 1998 صادق مجلس الامن على القرار 626 والذي بموجبه تشكلت UNAVEM I والتي كانت مهمتها الأساسية الإشراف على انسحاب القوات الكوبية من انغولا وفقا للجدول الزمني الذي تم الإتفاق عليه تفصيلا في الإتفاق الموقع بين الأطراف المعنية.
قرر المغرب المشاركة في هذه البعثة انطلاقا من ماي 1991، وكانت المشاركة المغربية متمثلة في 15 مراقب عسكري و11 من عناصر الشرطة المدنية. ومع توقيع اتفاقية لوساكا في 20 نونبر 1994 أصدر مجلس الأمن القرار 976 في 8 فبراير 1995 والذي بموجبه تكونت UNAVEM II والتي كانت تهدف الى تطبيق بروتوكول لوساكا ومراقبة وقف اطلاق النار في انغولا، وكذا توفير ظروف المصالحة الوطنية وتسهيل المساعدة الإنسانية ومراقبة مسلسل الإنتخابات، وقد ساهم المغرب مساهمة بناءه من اجل تحقيق السلام في هذا البلد حتى شهر يونيو 1997 تاريخ انتهاء مهمة هذه البعثة في انغولا.

الفقرة الثانية: المساهمة المغربية في العمليات الجارية:
اذا كان انتهاء العمليات الاممية لحفظ السلام في المناطق السالفة الذكر قد ادى بشكل اوتوماتيكي الى انتهاء المشاركة المغربية فيها، فإن المغرب ارتأى ان يتواجد وبشكل مستمر عمليات اخرى لا تزال قائمة في كل من الكونغو الديمقراطية والكوت ديفوار.
- المساهمة المغربية في بعثة الأمم المتحدة من الكونغو الديمقراطية monuc[22].
في 10 يوليوز 1999 تم التوقيع على اتفاق لوساكا لوقف دعم عمليات القتال بين كل القوات المتحاربة في جمهورية الكونغوا الديمقراطية والذي نص على اجراء حوار وطني وعلى انشاء لجنة عسكرية مشتركة تشكل من ممثلين ن كل طرف تحت رئاسة رئيس يعينه منظمة الوحدة الإفريقية.
وهكذا قرر مجلس الأمن وفقا لقرار 1999/1258 نشر ما يصل الى 90 من افراد الإتصال العسكريين التابعين للأمم المتحدة الا ان الفريق لم يستع ان ينفذ زيارات الإتصال المطلوبة، ليصدر مجلس الأمن قراره رقم 1279/1999 والذي يقضي بتشكيل بعثة مراقبي الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم قرار 1291 المؤرخ في فبراير سنة 2000 والذي يقضي بتوسيع مهام هذه البعثة والزيادة في عددها.
وقد شارك المغرب في هذه العمليات منذ 1999، وقد تمثلت المشاركة المغربية في هذه العملية ب 750 جندي و 4 ضباط و 4 أفراد من الشرطة المدنية ومستشفى متحرك مكونا من 51 فردا.
وهكذا ورغم تورط أفراد من بعثة الأمم المتحدة ومن بينهم عناصر تابعة للتجريدةالمغربية في اعتداءات جنسية على فتيات قاصرة من الكونغو اتخذت السلطات المغربية المختصة الإجراءات اللازمة في حق هؤلاء الجنود المغاربة المتورطين فإن ذلك لا يلغي دور المغرب، ومهمته النبيلة في العمل على استتباب الامن واعادة الاستقرار في هذا البلد الى جانب السبعة وأربعين دولة المشاركة في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية MONUC.
- المشاركة المغربية في عملية الأمم المتحدة في الكوت ديفوار ONUCI[23].
بعد وفاة الرئيس هوفييه بوانييه في ديسمبر 1993 دخلت الكوت ديفوار في صراع طويل على السلطة خلف اضطرابات عميقة انتهت بانقلاب قادة الجنرال روبيرغي في ديسمبر 1999، ورغم ذلك استمر الخلاف حول السلطة ولاسيما حول الإنتخابات الرئاسية التي وصلت ذروتها في اكتوبر 2000 بعد ما أعلنت المحكمة العليا فوز السيد لوران كباكبو لتتوالى بعد ذلك المحاولات الإنقلابية والتي كان آخرها تلك التي نشبت في 19 شتنبر 2002.
ليقرر المغرب ارسال تجريدة عسكرية قوامها 734 جندي وبعض الضباط في اطار البعثة الأممية التي قر تشكيلها من ابريل 2004 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1528، لترتيب المصالحة الوطنية والسهر على وقف اطلاق النار والاشراف على نزع السلاح ودعم السلام بشكل يمكن من اقامة الانتخابات في هذا البلد.
وتمركزت التجريدة المغربية في منطقة بواكي، وقد عاد شرف قيادة القطاع الشرفي حيث توجد القبعات الزرق البينية والغنية والتجريدة والطوغولية الى الكولونيل ماجور المغربي عبد المجيد بوعرفة[24].
وهكذا فقد انخرط المغرب بشكل جدي في العمليات الأممية لحفظ السلام بافريقيا باعتباره واحد من الدول التي تضطلع بدور ريادي في حفظ السلم والأمن بافريقيا، هذا رغم الصعوبات التي يواجها والتي تحد من مساهمة المغرب في الإنخراط في عمليات اخرى[25]

المطلب الثاني: حدود المساهمة المغربية في عمليات حفظ السلام:
ان التفاعل المغربي مع محيطه الخارجي يستدعي استحضار جملة من المعطيات سواء منها الداخلية أو الخارجية التي تتداخل فيما بينها لتساهم في بلورة السلوك الخارجي للمغرب، وما دام ان التفاعلات بين الدول تتم وفقا لما هو وارد في القانون الدولي فإن ذلك لا يعني استبعاد منطق المصلحة اسياسية التي تفرض نفسها لدى كل الفاعلين الدوليين.
ان عدم وضوح الآليات القانونية وزيادة التأويل لها واستحضار الخلفيات السياسية داخل مجلس الامن تحولت الى حدود موضوعية تحد من الممارسة المغربية في مجال حفظ السلام، كما ان هذه الممارسة على ارض الواقع تصطدم بوضعية معقدة سواء فيما يتعلق بالتسيير او التوجيه.
الفقرة الأولى: الحدود الموضوعية:
ان الحفاظ على السلم والامن الدوليين هو مبدأ ثابت في السياسة الخارجية للمغرب، إلا أن الممارسة المغربية في هذا المجال يعقبها مرجعية قانونية واضحة من جهة، وطغيان المصلحة السياسية للقوى الكبرى من جهة اخرى مما يجعل المغرب في وضع غير مشجع او متردد للمشاركة في هذه العمليات.
أ- الحدود القانونية: ان عدم ورود اي نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة بشأن انشاء قوات حفظ السلام، وامام الغموض الذي يتصف به هذا الميثاق ترك الامر لتأويل الفقهاء والمختصين فمنهم من اعتبر ان انشاء قوات حفظ السلام وهي من اختصاص مجلس الأمن الذي من بين اهم اهداف حماية السلم والامن الدوليين، ومنهم من اعتبر ان الجمعية العامة هي الجهة المختصة في انشاء الاجهزة الثانوية لأداء وظائفها، في ظل هذا الإشكال المرتبط بميثاق الأمم المتحدة يجد المغرب نفسه ملتزما بميثاق يشوبه العديد من الغموض الذي قد يكون السبب في تحفظ الدول عن المشاركة في هذه العمليات ومنها المغرب نظرا لغياب اضمانات القانونية والكفيلة والواضحة لانجاز المهام الموكولة للقوات الأممية.
فالدور المغربي في اطار عمليات حفظ السلام يواجه تحديات كبرى تتجلى في كيفية التعاطي مع العمليات التي يتم الخلط فيما بين الوسائل والأهداف[26].
فمن جهة يتم الخلط بين الفصل السادس والسابع ومن جهة اخرى يتم تجاوز بعض المبادئ الرئيسة التي ترتكز عليها تلك العمليات. امام هذا الواقع يجد المغرب نفسه في مجال حفظ السلام وامام خيارين اما التمسك بالمبادئ التي استمر عليها القانون الدولي، واما الإنخراط في عمليات غير واضحة المعالم والتي تخضع في احيان كثيرة للإعتبارات السياسية للدول الكبرى.
ب- الحدود السياسية: يتبين ان منظمة الأمم المتحدة اليوم اكثر من اي وقت مضى ليست فاعلا مستقلا على المسرح الدولي حيث ان سلطتها في الوقت الراهن اصبحت تختفي في كل مرة لتترك المجال لإرادة الدول الكبرى الأمر الذي ينعكس سلبا على دور الأمم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين، وعلى رأسها عمليات حفظ السلام.
هذا الواقع الذي يكشف عن جملة من الخلفيات المحركة لإنشاء بعض العمليات الأممية لحفظ السلام، والتي يمتد مفعولها الى الدول التي تشترك فيها ومن بينها المغرب فمن منطلق ان المشاركة المغربية في عمليات حفظ السلام سلوك خارجي وجزء من سياسة المغرب الخارجية التي يؤطرها التفاعل القائم في حركية العلاقات الدولية فهذه المشاركة تتأثر دائما بالتغيرات التي تطبع البيئة الخارجية للمغرب من جهة، وبقرارات القوى الكبرى وإرادتها الموجهة لعمليات حفظ السلام من جهة ثانية.
فإذا كان المغرب قد شارك في عدة عمليات لحفظ السلام وارتكازا على البعد الإنساني فإن هذا البعد وغايته يصبحان في وضع حرج حينما تتحول هذه العمليات وبشكل مفاجئ من عمليات حفظ السلام الى عمليات فرض السلام، وهنا يمكن المساس بمبادئ الحياد والسلم والحوار وعدم التدخل التي ينطلق منها المغرب اثناء الإعلان عن مساهمته في هذه العمليات.
الفقرة الثانية: الحدود الذاتية:
اذا كانت عمليات حفظ السلام قد عرفت طفرة نوعية مع بداية التسعينات من القرن الماضي، فإن ذلك التطور كان يتطلب مجموعة من المعطيات المادية والبشرية لتنفيذ المهام المتنوعة التي اصبحت تباشر في اطار هذه العمليات.
ان تعقد المهام المناطة بالوحدات المشاركة في العمليات الأممية لحفظ السلام، ومنها التجريدات المغربية، أظهرت ان تفعيل هذه المهام يحتاج الى متطلبات لوجستيكية مهمة، منها طبيعة الأسلحة ووسائل الإتصالات ومصادر التموين، وعلى ذلك فإن التحديات التي تواجه التجريدات المغربية بشكل خاص، والبعثات الأممية بشكل عام تظهر افتقارها لهذه المعدات لمباشرة مهامها.
كما ان التحديات المالية التي تواجه عمليات حفظ السلام قد أرخت بظلالها على المشاركة المغربية.
كما يعتبر العنصر البشري أهم مكونات التجريدات المغربية المشاركة، إلا انه يطرح بشأنها العديد من التساؤلات تتعلق بمدى كفاءة العنصر البشري، فيما يتعلق بالكفاءة والتكوين المعرفي والعلمي والقانوني[27]. وكذلك فيما يتعلق بكاية العنصر البشري في بعثات حفظ السلام الأممية، حيث ان المساهمة المغربية بعدد التجريدات لا تزال متواضعة بالمقارنة مع الدول الأخرى، وعلى الرغم من ذلك فإن المغرب يعتبر من الدول التي تلبي دائما النداء حينما يتعلق الأمر بصون السلم والأمن الدوليين.




[1] - محمد وليد عبد الرحيم، الامم المتحدة وحفظ السلم والامن الدوليين، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، ص 145.
[2] - نفس المرجع السابق، ص 145.
[3] - ماهر عبد المنعم ابو يونس، استخدام القوة في فرض الشرعية الدولية، المكتبة المصرية، الاسكندرية، ص 153.
[4] - محمد سامي عبد الحميد، قانون المنظمات الدولية، الجزء الاول: الامم المتحدة، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، ط 1997، ص 104.
[5] - علي جميل حرب، نظام الجزاء الدولي، العقوبات الدولية ضد الافراد والدول، الطبعة الأولى، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، 2010، ص 621.
[6] - ماهر عبد المنعم ابو يونس، مرجع سابق، ص 156.
[7] - غسان الجندي، عمليات حفظ السلام الدولية، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر عمان، 2000، ص 621.
[8] - غسان الجندي، مرجع سابق، ص 105.
[9] - مصطفى سلامة حسين، المنظمات الدولية، نشأة المعارف، الإسكندرية، 2000، ص 186.
[10] - غسان الجندي، مرجع سابق، ص 100.
[11] - محمد خليل الموسى، استخدام القوة في القانون الدولي المعصر، الطبعة الأولى، دار وائل للنشر، عمان، 2004، ص 201.
[12] - مراد ابراهيم الدسوقي، البعد العسكري في عمليات حفظ السلام الأممية، خمسين عاما من العمليات الصعبة، مجلةالسياسة الدولية عدد 122، اكتوبر 1995، ص 139.
[13] - بطرس بطرس غالي، نحو دور أقوى للأمم المتحدة، مجلة السياسة الدولية، عدد 111، يناير 1993، ص 8.
[14] - تميم خلاف، تطور مفهوم عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام، مجلة السياسة الدولية العدد 157، يوليوز 2004، ص 174.
[15] - محمد بوبوش، دور المغرب في عمليات حفظ السلام على موقع: www.maghress.com
[16] - pierre millza, les relations internationales 1945-1973 hachette paris 1996 p 115.
[17] - محمد اشلواح، الممارسة المغربية في مجال دبلوماسية حفظ السلام، رسالة لنيل دبلوم الدرايات العليا المعمقة، جامعة محمد الخامس السويسي، سلا 2006/2007.
[18] - قرار مجلس الامن رقم 143 الصادر في 13 يوليوز 1960.
[19] - محمد بوستة، المغرب افريقيا بين الأمس واليوم اية آفاق ضمن المغرب وافريقيا بعد الاستقلال، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، سلسلة ندوات ومناضرات سنة 1996، ص 49.
[20] - rachid el-houdigui, la politique etrangére sous le régime de hassan II P139.
[21] - محمد اشلواح، مرجع سابق، ص 94,
[22] - Mission des nations unies en république congus.
[23] - ONUCI : opération des nations unies en cote d’ivoire .
[24] - خالد غاشي، المغرب وعمليات حفظ السلام الأممية، رسالة لنيل د. د. ع. م في القانون العام كلية الحقوق اكدال الرباط، 2004-2005، ص 52.

[25] - محمد أشلواح، مرجع سابق، ص 110.
[26] - محمد اشلواح، مرجع سابق، ص 123.
[27] - عبد الواحد الناصر، المشكلات الدولية الكبرى، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1998، ص 145.

No comments:

Post a Comment