Do you thik that these are the best solution?


ملامح الوضع الإقتصادي لتونس بعد الثورة







عندما اشتعلت أولى شرارات الربيع العربي قبل ثلاثة أعوام بتفجر الثورة التونسية وهروب رئيسها السابق زين العابدين بن علي، سادت حالة من التفاؤل بين كل الشعوب والبلدان العربية حول إمكان بلوغ الحياة الكريمة التي طالما طمحوا إليها والحصول على حقوق تجاوزها شعوب العالم منذ عقود وربما قرون. إلا أن هذا الإحساس سرعان ما تبدل مع ضبابية المشهد في بلدان الثورات العربية وتدهور الوضع الاقتصادي المترنح أساسا، وعدم إحساس المواطن بأي تغيير طرأ عليه سوى غياب أمنه وزيادة فقره في ظل ارتفاع جنوني للأسعار.
فهل يكون من المبكر للغاية أن نصدر أحكامنا على الثورات العربية ونعتبرها فاشلة، قادتنا نحو مزيد من الانحدار؟ أم أن السجال لم ينته بعد ولم يطلق الحكم صافرته ليعلن فوز أو خسارة أحد الفريقين، الأنظمة القديمة في مواجهة الثوار الجدد.
 ففي استفسارنا عن حقيقة الأوضاع  الإقتصادية لتونس بعد ثورات الربيع العربي ،قد جاء كتوضيح على لسان محافظ البنك المركزي التونسي السيد :الشادلي العياري  بأن البلاد تعيش الآن بإمكانات تفوق طاقاتها .. والتقشف هو الحل.وذلك إبان حوار له أجراه مع  جريدة الشرق الأوسط على إثر زيارة له للندن لحضور مؤتمر «دوفيل»، الذي عقدته الخارجية البريطانية على مستوى الخبراء التابعين لمجموعة الثماني الكبار.
وفي خضم التوضيحات التي أدلى بها بهذا الخصوص أضاف: «بأن المفروض والمطلوب سنة أو سنتان من التقشف وإلا فلن نخرج من المشكل». كما أكد عجز الدولة عن رفع الأجور في المستقبل القريب، وقال: «لا أتصور أن لنا الطاقة في زياد الأجور سنة 2014». كما تحدث العياري عن خطورة الوضع الاقتصادي في هذه المرحلة، مشيرا إلى أنه «قد تصل تونس مع نهاية 2013 إلى وضع كارثي.. وصلنا لمستويات تضخم لم نعهدها من قبل، حيث بلغ الآن 6%، ولسنا الأسوأ في العالم، لكن الأسوأ في تونس منذ السبعينات».

في المقابل، أشار محافظ البنك المركزي الى أن مديونية تونس تتراوح بين 45 بالمائة أو 46 بالمائة من الناتج ، وبمقارنتها ببلدان العالم تعتبر معقولة ، ويمكن التحكم فيها ،والمهم في الاقتراض هو كيف استعمال هذه الأموال ، إذا كنت تقترض لتمويل الاستهلاك اليومي فهذا مشكل.
و شدد العياري بان الخطاب السياسي في تونس في اتجاه ميزانية الدولة لم يتغير و إلى أن ميزانيات ما بعد الثورة يجب أن تكون ميزانيات تقشف ، وليس من الممكن أن تكون ثورة في سنواتها الأولى ولا تمر بمرحلة تقشف مشددا على أن النهج التقشفي غير موجود في الميزانية التونسية و أنه ليس هنالك طاقة في زيادة الأجور سنة 2014.
و أشار الى أن غياب الحل الاقتصادي سيصبح كارثة على السياسة، و انه قد تصل تونس مع نهاية 2013 إلى وضع كارثي، و ان تونس اليوم في وضع حرج جدا، وأن ليس له حلا سياسيا لدي بحكم أنه مستقل.
و في رسالة وجهها الى السياسيين التونسيين قال العياري " أنهم ينفقون أكثر من طاقتهم، و أن حتى الكعكة التي ستقتسمونها لن تكون موجودة، متسائلا " فماذا ستوزعون : الفقر؟" وإذا كانت الديمقراطية هي توزيع الفقر فعلى الدنيا السلام بحسب تعبيره .
و أكد العياري في السياق ذاته بان الرهان التنموي غير موجود، أن التفكير منحصر فقط في السياسة، والاقتصاد مؤجل، وأن الإحساس بأن الاقتصاد هو أولوية غير موجود أصلا. 
فالخبير الاقتصادي والمالي معز الجودي  في تصريح لجريدة ـ”جدل”  بين أن “اعتراف محافظ البنك المركزي بالوضع الكارثي للاقتصاد اليوم جاء متأخرا جدا، لأن أغلب خبراء الاقتصاد حذروا من مغبّة التجاذبات السياسية وانتهازية بعض الأطراف للوصول لأغراض سياسية”.
كما أشار الجودي إلى أن “المؤشرات الكارثية للاقتصاد كانت واضحة بالأرقام، خاصة وقد تفاقم عجز الميزان التجاري إلى أكثر من 8 مليار، كما فاق التضخم المالي ال10 %، وهذا يعود بالأساس إلى السياسات الفاشلة التي تم اتباعها، إلى جانب تغييب الكفاءات سواء في المشهد السياسي أو الاقتصادي”.
وأكّد وزير المالية السّابق حسين الديماسي، في تصريح لـ”جدل”، أنّ “الوضع رديء للغاية وهو يتدرّج نحو الأسوء، من ذلك مثلا أنّ إنتاج القطاعات الاقتصادية الحيويّة الخالقة حقيقة للثّروة كالطاقة والمناجم والبناء والسياحة وجلّ الصناعات المعمليّة لم يتدارك بعد المستوى الّذي كان عليه قبل الثّورة، وهو ما انعكس بصورة سلبية للغاية على كل توازناتنا الاقتصادية، كتلك المتعلّقة بالماليّة العموميّة والدّفوعات الخارجيّة وصناديق الضّمان الاجتماعي وغيرها”.
كما اوضح الديماسي أنّ “هذا الوضع الكارثي لاقتصادنا نتج بالخصوص عن ظواهر الإضرابات العشوائيّة المتكرّرة والاعتصامات والعنف والإرهاب الّذي ما انفكّت تشهدها بلادنا منذ الثّورة. وممّا زاد الطّين بلّة تلك الزّيادات المجحفة في الأجور الّتي لم تعتمد على أيّة معايير اقتصاديّة موضوعيّة”.
وختم الديماسي قائلا: “أغلب خبراء الاقتصاد كانوا قد أكّدوا أنّ الخلافات والمشاكل السّياسيّة الّتي تشهدها البلاد عمّقت الأزمة الاقتصاديّة، طالما أنّ المسائل الإقتصادية لم تطرح على طاولة نقاش إيجابيّ يضمّ كافّة الأطراف السياسيّة وجميع الخبراء”.
أوعز الخبير الإقتصادي ونائب رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سابقا محسن حسن اليوم الخميس 26 سبتمبر 2013 أسباب تردي الوضع الإقتصادي في تونس إلى ثلاثة اسباب أهمها:.
أولها زيادة اجور الموظفين العموميين بعد الثورة دون مراجعة، اما ثانيها يتمثل في عدم اتباع الدولة سياسة التقشف إبان الثورة وعدم الدخول في حوارات ومحادثات مع الاتحاد العام التونسي للشغل.اما السبب الثالث فيتمثل في ضعف مداخيل الضرائب.
وبحسب إحصائيات رسمية ارتفعت نسب البطالة في تونس إلى نحو 19% سنة 2011 مقابل حوالي 14% سنة 2010 وبلغ عدد العاطلين في البلاد خلال 2011 حوالي 750 ألفا بينهم نحو 250 ألفا من خريجي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي. قد تراجعت خلال الثلاثي الثاني من سنة 2013 بنسبة 1.7% لتبلغ 15.9% مقابل 17.6% خلال نفس الفترة من السنة الماضية.
وتبلغ نسبة الفقراء نحو 25% من إجمالي سكان البلاد التي يقطنها أكثر من 10 ملايين ساكن.
إذ ارتفع عدد الفقراء بدوره بعد الثورة ، وتقدر الإحصائيات الرسمية عدد الفقراء في تونس بنسبة 15 في المائة، أي ما يعادل مليون ونصف ، منهم حوالي 500 ألف تحت خط الفقر المدقع ، فيما تقول احصائيات غير رسمية أن عدد الفقراء في تونس يناهز مليوني مواطن. ويقول خبراء ومختصون أن الطبقة الوسطى بدأت بدورها تقترب من خط الفقر بحكم غلاء المعيشة .
 أوعز الخبير الإقتصادي ونائب رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سابقا محسن حسن اليوم الخميس 26 سبتمبر 2013 أسباب تردي الوضع الإقتصادي في تونس إلى ثلاثة اسباب.
أهمها وأولها زيادة اجور الموظفين العموميين بعد الثورة دون مراجعة، اما ثانيها يتمثل في عدم اتباع الدولة سياسة التقشف إبان الثورة وعدم الدخول في حوارات ومحادثات مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
اما السبب الثالث فيتمثل في ضعف مداخيل الضرائب.
 يعزى تردي الأوضاع الاقتصادية في تونس إلى أن اقتصاد البلاد يعتمد بشكل كبير على عائدات البلاد من قطاع السياحة الأوروبية، فضلا عن الاستثمارات لكبرى الشركات الأجنبية التي أصابها الجمود في أعقاب الثورة التي شهدتها البلاد،كما أن تونس -وعلى العكس من جارتها ليبيا- تفتقر إلى الثروات النفطية التي قد تمكنها من تخطي أزماتها المالية ذاتيا.
فضلا عن الاسواق المغلقة مثل سوق الاتصالات، وكذا اعتماد قوانين ولوائح العمل الصلبة والبالية، وحالة عدم الاستقرار السياسي بسبب تنامي المد السلفي،
وفي ظل انتهاج حكومة الترويكا بقيادة حركة النهضة سياسة قائمة على المحاصصات الحزبية، ووضع اليد على مفاصل الإدارة و أجهزة التونسية، و عدم الفصل بين أجهزة الدولة و الأحزاب السياسية حفاظاً على حيادية الإدارة، تعيد هذه الحكومة إعادة انتهاج ممارسات النظام الديكتاتوري السابق، الأمر الذي يدفع بالفئات الشعبية والشباب العاطلين عن العمل يفكرون بشكل متزايد بتسوية مشاكلهم بأنفسهم وعلى طريقتهم.
عندما استلمت حركة النهضة الإسلامية  السلطة،لم تدرك أن الشعب التونسي الذي صنع ثورته، وأسقط النظام الديكتاتوري السابق، يحتاج إلى بناء دولة ديمقراطية تعددية، وخلق مجتمع جديد، وانتهاج خيار اقتصادي و اجتماعي جديد يجسد القطيعة مع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المنحرفة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، و التي أدت في الواقع إلى إثراء  أقلية من العائلات المرتبطة بالسلطة، و كبار رجال الأعمال على حساب إفقار معظم طبقات الشعب التونسي، بما فيها الطبقة المتوسطة، التي تعتبر أكبر طبقة اجتماعية موجود ة في تونس. ليس لحركة النهضة الإسلامية نظرية للاقتصاد، بل هي منساقة في نهج الليبرالية الجديدة التي سقطت في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي غيرها من الدول الرأسمالية الغربية  عقب وقوع الأزمة المالية و الاقتصادية العالمية عام 2008، ولم تقم بمراجعة نقدية للنموذج الرأسمالي الطفيلي الذي كان سائداً في تونس، حيث وصل إلى مأزقه المحتوم.
ولهذا السبب عجزت حركة النهضة عن مواجهة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية  التي تعيشها تونس في زمن ما بعد الثورة، لأنها لا تعرف حاجات الشعب التونسي   الاقتصادية والمعيشية فلم تهتم بها,وأخفقت أيضاً في بلورة خطة حقيقية للتنمية المستدامة تقطع مع نهج التبعية، فحافظت على عقد الصفقات المشبوهة مع الليبرالية الجديدة المتشكلة من نهابي مرحلة بن علي المخلوع،و تركت البلد للأغنياء الذين سبق أن مارسوا جميع أنواع النهب في عهدالنظام السابق،واعتمدت على الاستثمارات الأجنبية وعلى السياحة، وعلى ما يرد من دول أجنبية وشركات خاصة دون أن تقدم برنامجاً لعمل الإنتاج الزراعي والصناعي، أو حتى الخدمي.




عواطف عمران

No comments:

Post a Comment