Do you thik that these are the best solution?


البعد الثقافي لعلاقة المغر ب بأوربا



مقدمة:

     تعاظم الإهتمام مؤخرا بمفهوم الثقافة كمدخل لتحليل العلاقات الدولية سواء على المستوى الأكاديمي أو على مستوى صنع السياسة، فلأول مرة يوظف منظور العلاقات الدولية مفهوم الثقافة لفهم مختلف أشكال الصراع والتعاون بين الأمم. وسرعان ما انتشر هذا الإهتمام نتيجة ظهور مقولة صراع الحضارات التي دشنها "صامويئل  هلنتنجوك" عام 1993.[1]
والتي أكد فيها أن الصراعات الحضارية ستكون محور العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرون، والافتراض الذي يستتر خلف هذا الإهتمام هو أن الخصائص الثقافية للشعوب تؤثر في العلاقات بين الدول، وأن تحقيق أي شكل من التعاون بين الدول يتطلب توظيف تلك الخصائص بشكل من الأشكال، ذلك أن هناك ترابط بين السلوكيات السياسية والاقتصادية من ناحية، والسلوكيات الثقافية من ناحية أخرى.
     فالتعاون الثقافي يهدف إلى الإقلال من أشكال سوء الفهم ويعزز من التعاون الاقتصادي والسياسي كما أن تحقيق انجاز بين الدول على المستوى التعاون السياسي والاقتصادي من شأنه خلق بيئة مواتية  للتعاون الثقافي، وساعد أيضا على تبلور الاهتمام بالعامل الثقافي.
     ولاشك أن مفهوم الثقافة تناولته فلسفات شتى ومفكرون من مشارب متعددة(أدب، فن، بيولوجيا، سوسيولوجيا وغيرها). مما يصعب معه تحديد مفهوم قار للثقافة الشيء الذي يبرز إشكالية وضوح الحدود الفاصلة بين الثقافة والتعليم والإعلام والبحث العلمي من ناحية أخرى، ليبقى التعريف الشهير والأكثر اعتمادا في الدراسات، هو الذي وضعه الانتربولوجي الانجليزي "تايلور"، حيث يقول الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعادل وغيرها من القدرات التي يكتسبها الانسان بوصفه عضوا في المجتمع[2]
     وفيما يخص المغرب فمنذ استقلاله ارتبط بالعلاقات الثقافية مع الدول الأوربية، ولاسيما فرنسا واسبانيا ومن أبرز الأمثلة على ذلك تميز العلاقات المغربية الفرنسية الذي يرجعه العديد من المحللين السياسيين أمثال "الدكتور الحسان بوقنطار" إلى روابط الصداقة التي تجمع بين قادة البلدين، معربا عن ذلك بقوله: "بغض النظر عن الترابط الثقافي-الاجتماعي، تبقى العلاقات بين البلدين قائمة على أساس العلاقات الشخصية المتينة التي تربط بين جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي جاك شيراك.[3] الواقع أن علاقات الصداقة هذه التي تجمع بين رئيسي الدولتين ليست حديثة العهد بل كانت متواجدة منذ عهد الملك الراحل "الحسن الثاني" الذي لم يكن يتردد في الحديث عن الرؤساء الفرنسيين بكثير من مشاعر المودة، وقبل أيام من وفاته فقد كان ضيف الشرف في احتفالات 14 يوليوز، قبل أول مرة مشاركة فرقة من الحرس الملكي في هذه الاحتفالات[4]
ومن تم فتكمن أهمية الموضوع فيما أصبح للبعد الثقافي من تأثير قوي على مستوى العلاقات الدولية واتساع الإشكالات التي بات يطرحها، لاسيما وأنه في السنوات الأخيرة بدأت الثقافة تشكل عنصر المنافسة والصراع بين كل من فرنسا والولايات الأمريكية وإسبانيا، وما يمثله ذلك من تهديد قوي للنفوذ الثقافي الفرنسي في المنطقة المغاربية بصفة عامة، والمغرب بصفة خاصة.
     وللإحاطة أكثر بالموضوع فقد ارتأينا طرح مجموعة من الإشكاليات بالنسبة للمغرب هل يمكن الحديث عن دبلوماسية ثقافية مغربية؟
وما هي الأساليب والأدوات للقيام بالعمل الثقافي؟
وما هو الإطار المنظم للعلاقات الثقافية للمغرب مع الدول الأوربية وما التحديات التي تواجه الثقافة المغربية في إطار العلاقة الوطيدة بأوربا؟
     وللإجابة على الإشكاليات المركزية لموضوع البحث وما تفرعت عنها من إشكالات فرعية استلزم ذلك وضع تصميم لها من خلاله تتم محاولة الإجابة عن مختلف التساؤلات ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى مبحثين:

المبحث الأول: العلاقات الثقافية  المغربية الأوربية
المطلب الأول: الإطار القانوني للعلاقات الثقافية
أولا: الإطار المنظم للعلاقات الثقافية بين المغرب وفرنسا
      امتاز الجانب القانوني من العلاقات الثقافية بين المغرب وفرنسا باهتمام خاص حيث أنه يتوفر على ترسانة ضخمة من الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية وقد شكلت زيارة الملك محمد السادس لفرنسا سنة 2000 مناسبة لإعطاء دفعة جديدة لذالك التعاون الثقافي بين البلدين في اتجاه المزيد من الصلابة والفعالية والتناسق، من خلال إدراج التعاون الثقافي والعلمي والتقني في إطار قانوني متجدد، وهو ما تم ترجمته من خلال مفهوم الشراكة الإستراتيجية التي أتت بها اتفاقية 2003.
     وقد ارتبط المغرب منذ استقلاله مع فرنسا بمجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الثقافية التي تنظم مجال التعاون الثقافي، وتعد الاتفاقية التي ابرمها الطرفان سنة 1957، اول اتفاقية ثقافية تجمع بين البلدين، والتي اهتمت بالجانب التعليمي وقد تلتها اتفاقية جديدة بين الحكومتين سنة 1972 ذلك بهدف إعطاء دينامية جديدة للتعاون الثقافي والتقني، حيث كان المغرب بحاجة لمساعدات في هذا المجال أي تكوين الأطر المغربية في جميع الميادين، ولضمان فعالية اكبر للتعاون الثقافي المغربي الفرنسي تم إبرام اتفاقية جديدة سنة 1984 للتعاون الثقافي والعلمي والتقني التي أحدثت مجموعة من الآليات مكونة من هيأت ولجان مختلفة تجتمع بصفة مستمرة لتدارس سبل تطوير العلاقات الثقافية من خلال التخطيط للبرامج والمشاريع الثقافية والثنائية ومن هاته اللجان نذكر اللجنة الثقافية المختلطة واللجنة الدائمة للدراسة والبرمجة ثم اللجنة المختلطة للتدبير التقني.
كما أبرم الجانبان المغربي والفرنسي مجموعة من الاتفاقيات القطاعية في الحقل الثقافي. 
 بالنسبة لإتفاقية الشراكة والتعاون الثقافي والتنمية المبرمة في 25 يوليوز 2003 والتي نسخت اتفاقية 1984 بمفهوم جديد مبني على مبدأ الشراكة.
وبالرجوع إلى أحكام هذه الاتفاقية نجدها تضمنت مقتضيات جديدة تهدف إلى توسيع إطار التعاون بين المغرب وفرنسا عبر إشراك فاعلين جدد كالمؤسسات الثقافة والجامعية والخاصة بالبحث والجماعات الترابية والفاعلين في المجال السمعي البصري، ثم المنظمات غير الحكومية، كذلك إشراك عنصر الجالية في عملية الشراكة من خلال استثمار قدرات كل من الجالية المغربية المقيمة بفرنسا.
     تتميز العلاقات المغربية الفرنسية بمثانة الروابط الثقافية التي تجمع بين البلدين وتستمد قوتها من التاريخ ومن الإرث الحضاري المشترك، الذي ازداد مع الحقب ترسخا وتوسعا فضلا عن ذلك فإن العلاقات الشخصية المتميزة التي ربطت قادة الدولتين ساهمت بدورها في تدعيم العلاقات في جميع الميادين ولاسيما المجال الثقافي.
 ويرجع هذا إلى قوة السياسة الثقافية الفرنسية حيث تستفيد من الهيمنة التي تمارسها اللغة الفرنسية كأداة للتواصل داخل الإدارة والقطاعات الإنتاجية العصرية والاستئثار بالحقل الثقافي بالمغرب، مستعينة بتاريخها الاستعماري وكذا مشروعها الفرانكفوني، ومن جهة أخرى كان لاختيارات المغرب ما بعد الاستقلال، وكذا الإقبال المحموم للمغاربة نحو هذه الثقافة دور فعال في إكساب هذه العلاقات متانة واستمرارية وبالتالي السياسة الثقافية الفرنسية لها بعد استراتيجي كأحد أولويات النشاط الخارجي لها وإذا كان دوغول قد أكد على ضرورة تطوير التعاون الثقافي والتقني وتوسعه فإن القيادات التي جاءت من بعده قد عملت على الدفع بنفس المشروع سواء في جانب تطويره أو توسيع مجالات عمله ولا شك أن عامل الإستعمار قد ساهم بشكل كبير في غرس الثقافة الفرنسية داخل المناطق المستعمرة. والمغرب كغيره من الدول المستعمرة من طرف فرنسا التي عملت جاهدة على محو الشخصية المغربية وإحلال محلها الثقافة الفرنسية حيث شكل قطاع التعليم الأداة الرئيسية في المغرب لترسيخ نفوذها وهيمنتها الثقافية وهذا دفع فرنسا حتى بعد استقلال المغرب إلى توسيع مجالات التعاون الثقافي مع المغرب من خلال تقديم أنواع من المساعدات سواء مالية تقنية أو بشرية ففيما يخص المساعدات المالية منحت فرنسا بامتياز المرتبة الأولى لقطاع الثقافة وذلك منذ الستينات وهذا ما يبينه الجدول التالي: الذي يبين حجم مختلف المساعدات المالية الفرنسية المقدمة للمغرب والجالية الفرنسية القاطنة بالمغرب،خلال الفترة مابين 1962 و1969.
      كما تم وضع مجموعة من الإجراءات التحفيزية تساعد على التنظيم والمشاركة في التظاهرات الثقافية بين البلدان كالترخيص المتبادل لاستيراد الممتلكات والتجهيزات البيداغوجية والمعدات الموجهة لتنظيم التظاهرات الثقافية، والفنية والعلمية المنظمة في إطار الشراكة مع منح الأعضاء من الرسوم والضرائب على استيراد الكتب والمنشورات والدعم الإعلامي المتعدد الوسائط، كما تم تخصيص لموضوع الشراكة الإستراتيجية التي أتت بها اتفاقية 2003 وسائل حديثة مغايرة لميكانيزمات التعاون التي كان معمول بها في اتفاقية 1984 بحيث تم خلق أجهزة للشراكة تعمل على تنفيذ وتقسيم البرامج والمشاريع التي يتم اقتراحها من طرف الفاعلين والمنظمات المساهمين في هذه الشراكة.
ثانيا: العلاقات الثقافية المغربية الاسبانية
     يلعب العامل الثقافي دورا هاما في إرساء علاقات مغربية اسبانية متعددة الأبعاد والجوانب فقد تم توثيق التعاون في المجال الثقافي بين المغرب واسبانيا بعدد هام من الاتفاقيات التي تنص على ضرورة تنمية هذه العلاقات، خاصة وأن الإنتاج على الثقافات المجاورة يساعد على التفاهم والحوار، وتخطي عوامل التوثر، ومن هذه الاتفاقيات:
-اتفاق بشأن إنشاء لجنة دائمة بين الحكومتين المغربية الاسبانية للتعاون الاقتصادي الثقافي، العلمي والتقني وقع في 17 مارس 1971.
-الاتفاقية التي تهم التعاون الثقافي بين المغرب واسبانيا وقعت بتاريخ 14 أكتوبر 1980  
-بروتوكول التعاون في مجال الحفريات والتراث بين المغرب واسبانيا الذي وقع في 21 يناير 1988.
-اتفاق التعاون بين مركز الأبحاث والدراسات الأندلسي بشفشاون وجامعة غرناطة الموقع في أكتوبر 1990.
-بروتوكول تعاون في ميدان المحافظة على التراث المعمار لمدن تطوان-طنجة-شفشاون الموقع في 14 دسمبر 1991.
 -برنامج تنفيذي للاتفاق الثقافي لسنوات 1995 -1996 (مدة سنتين) وقع في 25 أبريل 1995.
مذكرة اتفاق بين المملكة المغربية وجمعية أندلسية من أجل إنشاء مؤسسة هدفها الحفاظ على التراث والعمل على إيجاد وسيلة التعايش بين الثقافات الثلاث المتوسطية الإسلام واليهودية والمسيحية في الأندلس.
قرار وزير الشؤون الثقافية رقم 28-95 لثامن وعشرين من شعبان 15-14 (30 يناير 1995) من أجل إنشاء وتنظيم المركز الوطني للتراث المحفوظ.
ثالثا:العلاقات الثقافية المغربية الألمانية

      طبقا لمقتضيات اتفاق التعاون الثقافية المبرم في 6 أكتوبر 1987، تقوم علاقات ثقافية وعلمية بين البلدين، وإن كانت هذه العلاقات ترجع إلى ما قبل توقيع الاتفاق المذكور إلا أن تطور العلاقات الثقافية بين المغرب وألمانيا الاتحادية سوف لن يتعمق إلا بعد تسعينيات القرن الماضي.
     وقد تميزت هذه العلاقات بالتنوع من حيث مجالات التعاون، وبالعمق من حيث أهمية المشاريع ،من أهم هذه المجالات يمكن ذكر التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي والتعاون في مجال المنح الدراسية، والتعاون في مجال الاتصال والوسائل السمعية البصرية، إلى جانب الفنون التشكيلية والموسيقى، والحفاظ على التراث الثقافي، وتبادل زيارات الشباب...هذه المجالات يمكن مقاربتها من خلال: التوقف عند المظاهر الرئيسية للتعاون الثقافي بين المغرب وألمانيا فالعلاقات الثقافية بين المغرب وألمانيا تؤطرها حوالي ثمان اتفاقيات فمن خلال مداخلة الملحق الثقافي الألماني بالمغرب بتاريخ 23 دجنبر 1988، ترجع جذور العلاقات الثقافية بين البلدين إلى القرن 16 وبالتحديد ابتداء من سنة 1588 عقب معركة المخازن وتوالت هذه العلاقات دون أن تنفصل عن العلاقات التجارية[5]
     وعقب استقلال المغرب توالت الزيارات بين البلدين كان أهمها الزيارات التي تلت تقني العلاقات بين البلدين، أهمها زيارة وزير الشؤون الثقافية محمد بنعيسى لألمانيا للتوقيع على اتفاق ثنائي في الموضوع بتاريخ 6 أكتوبر 1987 ولحضور أنشطة ثقافية نظمها المغاربة بألمانيا وقد خرج هذا الاتفاق حيز التنفيذ حسب المصادر الألمانية ابتداء من دجنبر1989  [6].
وتوجد العلاقات الثقافية بين البلدين قبل هذا التاريخ خاصة منذ افتتاح المركز الثقافي الألماني "جوته" (goethe) لتدريس اللغة والثقافة الألمانيتين سنة 1960 بالدار البيضاء وسنة 1961 بالرباط وطنجة، وقد شرع في تدريس اللغة الألمانية بالمغرب بالمؤسسات الثانوية خلال الموسم الدراسي 1960-1961 وشرع تدريسها بالجامعة سنة 1976 بالرباط وسنة 1983 بفاس و1986 بالدار البيضاء. ويشرف المعهد على سياسة تدريس اللغة الألمانية بالمغرب من خلال التنسيق مع الجامعات ومع وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي إلى جانب مؤسسات أخرى متعاقد معها،كما يتعاقد مع العديد من الإدارات لتكوين الأطر لتعلم اللغة الألمانية مثل المدارس الفندقية والسياحية، ومدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة التي يخصص لها المكتب الألمانية للتبادل الجامعي أطرا للإشراف على تعليم اللغة الألمانية.
ووصل عدد المسجلين لدراسة اللغة الألمانية بالمغرب سنة 2002 حوالي 5000 دراسات في المدارس والمؤسسات الخاصة، و7000 في معهد غونة، وتوزع الجامعيون بين 360 طالبا بكلية الآداب بفاس و120 بالدار البيضاء و 130 بالرباط، إلا أن الملاحظ أن حوالي 30 فقط من المسجلين يتمكنون من النجاح. وتعزو السيدة بليندة هارست، رئيسة المصالح الثقافية بالسفارة الألمانية بالرباط سبب هذا الرسوب إلى طبيعة النظام التربوي المغربي. وإلى عدم تمكن المغاربة من اللغة الألمانية وهو تفسير وإن كان غير مقنع إلا أنه يطرح إشكالية تحتاج إلى بحث أكثر تفصيلا للإجابة عن سبب عدم إقبال المغاربة على اللغة الألمانية رغم دراستهم لهذه اللغة في الثانوية، كما وصل عدد المغاربة المسجلين بالجامعات الألمانية سنة 2001 حوالي 6700 طالبا وسنة 2000 حوالي 6200 سنة 1999 حوالي 5700 مما يعني أن العدد في تصاعد.
سلسلة ندوات ومناظرات رقم 17، طبع النشر العربي الإفريقي الرباط 1991
محمد عمارتي إعداد)، سفير الجمهورية الفدرالية الألمانية، في تصريح ل" لاكازيت دوماروك" بمناسبة الذكرى 14 لتوحيد ألمانيا، جريدة لاكازيت دوماروك عدد 388 الاثنين 4 أكتوبر 2004 ص 11.
المطلب الثاني: آليات تطوير العلاقات الثقافية
 فقد أسفرت العلاقات الثقافية المغربية عن إحداث آليات متعددة تسعى الى تفعيل المكاسب المشتركة.
أولا: الأجهزة المختصة بوضع وتنفيذ برامج التعاون الثقافي
     بالنسبة للعلاقات الثقافة المغربية الفرنسية يمكن تصنيف آليات التعاون الثقافي المغربي الفرنسي إلى نوعين من الأجهزة الحكومية والثقافية.
-اللجنة العليا المشتركة: والتي انطلقت أشغالها سنة 1997 برئاسة الوزيرين الأولين والتي ترتكز على مناقشة جميع أشكال التعاون التي تجمع بين البلدين بخصوص المجال الثقافي سواء في جانبه التعليمي أو التقني فإرسال بعثات تقنية فرنسية للمغرب أو إرسال بعثات مغربية من الأطر لإجراء تداريب في فرنسا كما ركزت على موضوع التنمية الثقافية من خلال الاستفادة من الخبرة الفرنسية في مجال اللامركزية الثقافية والمحافظة على المواقع الأثرية والمدن القديمة وصيانتها وكذا المشاركة في عدة مشاريع ثقافية وفنية.-أجهزة الدعم المالي: تعتبر الوكالة الفرنسية للتنمية أهم أداة للدعم المالي الفرنسي في المغرب حيث يستفيد هذا الأخير بنسبة 10٪ من مجموع المساهمات المالية للوكالة على المستوى الدولي، وقد تم مضاعفة النسبة في السنوات الأخيرة يستخدم هذا المبلغ جزء منه لتمويل مشاريع ثنائية في المجالات الثقافية والاجتماعية.
كذلك ينضاف إلى هذه الآلية صندوق التضامن الأولي لدعم نفس المجال لمساعدة انفتاح المغرب على البحث العلمي مع تسيير الوصول إلى مفاتيح التكنولوجيا.
بالنسبة للأجهزة الاتفاقية التي تتكلف بتنفيذ أعمال التعاون الثقافي ومتابعتها وتقييمها وهي مجلس التوجيه والإشراف على الشراكة (COPP).
واللجان القطاعية والموضوعاتية (CST) ومنتدى الشراكة La forum du partenariat ثم صندوق تحفيز التعاون.
ثانيا: دور المجتمع المدني في الدفع بالعلاقات الثقافية.

     أصبح للمجتمع المدني مكانة مهمة في العلاقات الثقافية المغربية الأوربية، حيث نجد عدة فاعلين غير حكوميين قائمين على تنشيط الحركة الثقافية بجميع مكوناتها وربط الاتصال بحكومة المغرب وحكومات البلدان الأوربية للحصول على ما عدا مالية وتقنية للرفع بهذا المجال وعلى رأس هؤلاء الفاعلين نذكر الجمعيات المغربية في كل من المغرب وأوربا التي تعتبر الركيزة الأساسية لتفعيل المجتمع المدني الذي يضم الحلين القانيين والسياسيين.
فإذا أخذنا على المثال الجمعيات المغربية المتواجدة بفرنسا فإننا نجد عددها وصل إلى 553 جمعية ذات اختصاصات مختلفة وتحتل الجمعيات الثقافية مركز الصدارة بنسبة 190 جمعية، ولقد استطاعت هذه الجمعيات الثقافية أن توسع من أنشطتها التي تهدف من جهة إلى التعريف بالثقافة المغربية ومن جهة أخرى إنعاش التبادل الثقافي بين المغرب ومختلف الأقطار، وعلى صعيد آخر فإن الجمعيات الثقافية المؤطرة للجالية المغربية.
حسناء الدوادي "العلاقات المغربية الفرنسية يقل نظيرها في العالم "، جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ:12/5/2000

  بالنسبة للعلاقات الثقافية المغربية الاسبانية: يمكن تصنيف آليات التعاون الثقافي المغربي الاسباني إلى نوعين:
1-تشجيع المراكز والأنشطة الثقافية بالبلدين:
     يحتل المغرب من بين بلدان العالم مرتبة مهمة ضمن اهتمامات الدول الاسبانية على صعيد التعاون الخارجي في مجالات التربية والثقافة.
وإذا كان الأمر بديهيا باعتبار التاريخ مشترك واستمرارية المصالح المتبادلة بين بلدين فإن الوضعية الراهنة لحجم التبادل الثقافي مستوى التعاون القائم بين المملكتين هي وضعية جديرة بالاهتمام.
    فالمغرب هو البلد الوحيد الذي خصته الدولة الاسبانية بخمسة مراكز لمعهد سرفانس توجد بكل من تطوان، طنجة، فاس، الرباط والدار البيضاء، هذه المراكز تشكل مجهود معبرا لانتشار اللغة الاسبانية مما شجع على الزيادة في التسجيل في هذه المراكز من 2000 إلى 8000 تلميذ ما بين 1999-1997.
كما أن أساتذة معاهد سيرفانست الاسبانية لمدرسي اللغة الاسبانية
     وإضافة إلى عدد التلاميذ الذين يتعلمون اللغة الاسبانية، كلغة أجنبية في معاهد سيرفانست نجد عدد من المؤسسات التعليمية التي تعمل وفق النظام التربوي الاسباني يصل إلى تسع مؤسسات: ثلاث بمدينة تطوان، مؤسستان بطنجة، وواحدة بالحسيمة والعرائش وعدد الأساتذة الرسميين 187.
La coopération espagnole au Maroc, Ministère de l’éducation et de la culture pageM5
وعلى هذا الأساس، هناك بعض المؤسسات في المغرب أو كل إليها مهمة دراسة موضوع العلاقات الثقافية المغربية مع الخارج ونذكر منها:
أ‌-  مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات.
     تأسس هذا المركز في مارس 2001، بمبادرة مجموعة من الباحثين ورجال العلم في المغرب والمملكة العربية السعودية، وهو مركز ثقافي دولي غير حكومي يهدف إلى تشجيع الدراسات والأبحاث المعلقة بجوانب الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، سواء في الميدان التاريخي أو الأدب والفلسفة والعلوم البحثة، خلق حوار بين الحضارات والثقافات دعما للتعايش بين الشعوب وتعزيز أواصر التفاهم والتبادل والتشجيع على ترجمة الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا المجال من اللغات الأجنبية في هذا الميدان.
وتخصص ندوات ولقاءات دورية لمناقشة الجوانب المتعددة من الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس والحوار بين الحضارات، وذلك بمساهمة باحثين، عرب وأجانب يختارهم المركز ومن الأنشطة التي ينظمها المركز نذكر أبرزها، كالندوة الدولية الكبرى حول "الحضارة الإسلامية مظاهر للتسامح التي عقدت بالرباط في مارس 2002، وبالوزارة مع الندوة نظم المركز لقاء "منير قرطبة" وكان موضوع المنبر "حوار الحضارات بعد أحداث 11 سبتمبر".
كما يقوم المركز بأنشطة ثقافية تهدف الى ابراز التراث الاندلسي، كتنظيم أمسيات الموسيقى الأندلسية، وأياما للطبخ الأندلسي، ومعرضا للوحات الأندلسية.
ب‌- معهد الدراسات الاسبانية –البرتغالية
     تأسس معهد الدراسات الاسبانية البرتغالية، بمقتضى ظهير شريف لسنة 2002 وقد شرع هذا المعهد في ممارسة وظائفه ابتداءا من سنة 2005.
ويختص معهد الدراسات الاسبانية، البرتغالية بالبحث والدراسة لمختلف مظاهر الحضارة والثقافة في اسبانيا والبرتغال ودول أمريكا اللاتينية، ويرتكز اهتمام المعهد على إعادة تقييم الإرث التاريخي والثقافي المشترك بين المغرب والعالم الاسباني –البرتغالي، وكذلك على دراسة قضايا ذات الأهمية الثقافية.
    ويهتم المعهد بالدراسات والبحث المتعدد التخصصات المتعلق بالعالم الاسباني والبرتغالي والمساهمة في تكوين باحثين مختصين وتعزيز روابط التعاون والتبادل الثقافي والعلمي مع بلدان العالم الاسباني والبرتغالي من خلال تنظيم مناظرات ودورات دراسية وورشات علمية ولقاءات وطنية ودولية.
بالنسبة للعلاقات الثقافية المغربية الألمانية:

أ-الدعم الألماني للمجالات الثقافية بالمغرب
     ينص اتفاق التعاون الثقافي بين المغرب وألمانيا على دعم التعاون في العديد من المجالات الثقافية ومنذ دخوله حيز التنفيذ بدأ التعاون بين المعهد الألماني للاركيولوجيا والمعهد الوطني لعلوم الآثار بالمغرب المتحف الجيولوجي بالرباط، وفي هذا الإطار تندرج عدة مشاريع منها مشاريع فردية مثل تمويل أبحاث اركيولوجية في الريف الشرقي منذ سنة 1995 بدعم من المعهد الاركيولوجي الألماني.
إلى جانب مساهمة ألمانيا في إعادة ترميم حوالي 30 ألف من المخطوطات النادرة بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط وذلك بالتعاون مع مكتبة غوتنفن المتخصصة في المخطوطات العربية وقد ابتدأ التعاون بين المكتبتين منذ سنة 1987 ومولت هذا التعاون وزارة الخارجية الألمانية وقد تمكنت لحد الآن من إعادة ترميم حوالي 12 ألف مخطوطا عربيا، كما ترتبط نفس المكتبة مع جامعة القرويين لترميم المخطوطات أيضا.
ويضاف إلى ذلك كله في مجال العلاقات الثقافية المغربية الألمانية أن هناك تعاونا في مجال السينما بحيث تدعم ألمانيا الأفلام المغربية التي يتم إعدادها باللغة العامية المغربية كما تقدم من حين لآخر أدوات وآليات العمل السينمائي مثلا سنة 1986 استفاد المركز السينمائي المغربي من حوالي 1400 فيلما ومسلسلات وثائقية.
ومن المجالات الألمانية الموجهة للمغرب نجد: "فكروفن" "اللقاء" ومجلة "سكالة"scala وتنظم الجمعية المغربية الألمانية عملية تبادل الشباب منذ سنة 1993، كما نجد تعاونا رياضيا خاصة في مجال الخبرة في الرياضيات الجماعية والكروية.
وللإشارة فقد استفادت لجنة التربية التكوين من زيارات لألمانيا للإشارة في مجال الدراسات التطبيقية خلال سنة 1999 أثناء التحضير للحسم في ميثاق التربية والتكوين الغربي.
وتوجد عدة اتفاقيات تدل على أشغال اللجنة المشتركة المغربية الألمانية حول الشباب.
وانطلاقا منها زار المغرب في صيف 2003 حوالي 80 ألمانيا من الشباب لمدة 15 يوما مقابل زيارة وفد مغربي من 80 شابا ألمانيا في إطار تنفيذ بروتوكول ابريل 2002 الثقافي [7] ويشرف على تتبع التعاون الثقافي بين المغرب ألمانيا لجنة مشتركة تجتمع مرة كل سنتين.
ثانيا: التعاون في مجال التربية والتعليم والبحث العلمي 
     يشرف على التعاون المغربي الألماني في مجال التربية وتعليم اللغة الألمانية بالمدارس المغربية وزارة التربية الوطنية.
وفي هذا الإطار تمول ألمانيا الدراسات والأبحاث قصد وضع برنامج لتعليم اللغة الألمانية في التعليم الأساسي وتواصل تشجيعها لتعليم اللغة الألمانية في المؤسسات التعليمية الثانوية وتطوير برامجها وقراراتها من خلال تطوير البرامج الدراسية وكتب المقررات.
     كما تمول ألمانيا مشاريع ذات صلة بصحة التلاميذ وبالرياضة المدرسية، وتقييم المناهج واستكمال تكوين المدرسين والموظفين للعمل في قطاع التعليم كما تمول عددا من الجمعيات العامة في مجال الإعاقة والطفولة والمرأة.
ويشرف خبراء ألمان على تتبع الجهود المبذولة من طرف مدرسي اللغة الألمانية، وإخضاعهم من حين لآخر للتكوين ولدورات تدريبية في المغرب أو في ألمانيا لتمكينهم من القيام بالمهام المنوطة بهم[8].
المبحث الثاني: تحديات التعاون الثقافي بين المغرب وأوروبا.
     إذا كان الحديث عن تميز العلاقات الثقافية بين البلدين يعني الحديث عن مستوى مشترك ومتكافئ من الأخذ والعطاء والتبادل[9]، فإن هذا المعنى لا ينطبق على واقع العلاقات الثقافية بين المغرب وأوروبا، بحيث نلمس حضورا ثقافيا أوربيا قويا في المغرب من خلال مجموعة من المؤشرات كإنتشار المراكز والمؤسسات الثقافية الأوروبية دون أن يقابله حضور ثقافي مغربي مماثل في أوروبا[10].
المطلب الأول: حضور ثقافي قوي لأوروبا في المغرب.
     تتوفر البعثة الثقافية الأوروبية (وخصوصا الثقافة الفرنسية) على أضخم شبكة[11] تمثيلية متواجدة في المغرب، ويظهر ذلك من خلال كثرة المؤسسات الثقافية المتكونة من المراكز والرابطات الثقافية، وكذا من خلال المؤسسات التعليمية حيت تتجلى أهمية هذه الشبكة التمثيلية في عملها بشكل فعال على المحافظة على استمرارية تواجد الثقافة الأوروبية وخصوصا الثقافة الفرنسية والاسبانية بالمغرب وبالتالي تحسين العلاقات  الثقافية بين الطرفين ومن أبرز هذه المؤسسات والتي تخص فرنسا وهي مصلحة التعاون والتنشيط الثقافي للسفارة الفرنسية:  le sca أو scac مسؤول عن وضع برامج تعاونية بين المغرب وفرنسا في المجال الثقافي، العلمي التقني والتعليمي كما أنه يهتم بعملية الربط بين جمع المؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية الفرنسية بالمغرب، وعلى مستوى التعاون الثقافي فإن le scac  يعمل على التعريف بالثقافة والحضارة الفرنسية عن طريق عقد لقاء مع مثقفي وفناني الدولتين وتنظيم الزيارات والندوات والعروض الفنية بالإضافة إلى المساعدات المالية والتقنية التي يقدمها لعدة قطاعات، كما هو الشأن بالنسبة لقطاع الكتاب الذي يستفيد من منح سنوية لنشر وترجمة كتب صادرة عن كتاب مغاربة، أو قطاع الفن الذي يتلقى الدعم والتشجيع لإقامة توأمات بين مختلف المدارس الفنية المغربية والفرنسية....
     والجدير بالذكر أن scac مجلة تصدر كل  أشهر، وهي بمثابة تقييم لكل الانجازات التي قامت بها البعثة الثقافية الفرنسية بالمغرب خلال هذه الفترة، وذلك في جميع المجالات  كالتعليم والتنمية، الماء، كما تنشر كل مستجدات التعاون من المشاريع المشتركة أو الاتفاقيات الجديدة المبرمة بين البلدين...
2- المؤسسات التعليمية الفرنسية بالمغرب: يعود تأسيس المدارس الفرنسية بالمغرب إلى عهد الحماية سنة 1912 وإن كانت في البداية موجهة لتعليم أطفال الجالية الفرنسية فقط، إلا أنها سرعان ما شهدت إقبالا كبيرا من طرف النخبة المغربية التي تهاتفت على إدخال أبنائها إليها بفعل نوعية تكوينها. ومنذ ذلك عرفت هذه المدارس انتشار في أغلبية المدن المغربية ولم تقتصر هذه الأخيرة على السلك الابتدائي بل شملت حتى السلك الإعدادي والثانوي، حيث تم إنشاء أول ثانوية فرنسية وهي ثانوية كورو Lycée Couraut سنة 1919 بمدينة الرباط.
      وبعد الاستقلال تم إبرام اتفاقية ثقافية في أكتوبر من سنة 1957، تعترف بانتماء سبع مؤسسات للتعليم الثانوي وعشرات المدارس الابتدائية إلى البعثة الثقافية الفرنسية. وقد واصلت الشبكة التعليمية الفرنسية توسعها في المغرب إلى أن وصل عددها إلى 30 مدرسة موزعة بين أهم المدن المغربية.
وتخضع معظم هذه المدارس لوصاية الوكالة الفرنسية للتعليم بالخارج : AEFE وذلك من سنة 1990 فهي تؤطر 23 مؤسسة تعليمية مكونة من 12 مدربة للتعليم الأساسي، 4 مجموعات تعليمية، 5 ثانويات وإعداديتين، في حين أن باقي المؤسسات الفرنسية تخضع لإدارة المكتب الدولي للتعليم والجامعة OSUI والذي يديره مجموعة تعليمية وثانوية واحدة.
  وتعرف هذه المؤسسات التعليمية إقبالا كبيرا في المغرب، حيث أن الشبكة التي تديرها الوكالة الفرنسية للتعليم بالخارج تضم لوحدها ما يناهز 17.000 تلميذ معظمهم مغاربة وذلك بنسبة 11.000 مغربي، 5.400 فرنسي و 600 أجنبي[12] ويخضع هؤلاء التلاميذ لنظام تعليمي مطابق للبرامج التعليمية والبيداغوجية المتبعة بفرنسا.
ورغم الأسلوب المتبع داخل هذه المدارس، فإن هذه الأخيرة لم تغفل خصوصيات دولة الاستقبال فمنذ سنة 1988 تم إدراج في برامجها بعض المواد للتدريس تعرف بالثقافة    والحضارة المغربية، وهي مادة اللغة العربية ومادة التاريخ والجغرافية.
كما فتحت عدة ثانويات فرنسية شعبة جديدة وهي الشعبة الدولية للباكلوريا. والتي تخول للراغبين في تقوية مستواهم في اللغة العربية إمكانية الاستفادة من تعليم مزدوج. وبالفعل لقي المشروع نجاحا كبيرا حيث عرف عبر السنوات إقبالا متزايدا في جميع المؤسسات الفرنسية ولاسيما ثانوية Lycée descartes  التي شهدت أعلى درجات التسجيل في الشعبة الدولية للبكالوريا معظمهم مغاربة. بالإضافة إلى الأجانب المسجلين في نفس الشعبة[13].
- المراكز الثقافية الأوروبية بالمغرب:
     تحتل المراكز الثقافية الفرنسية مكان الصدراة مقارنة مع باقي المراكز الثقافية الأخرى المتواجدة في المغرب حيث يصل عددها إلى عشرة مراكز و 3 رابطات ثقافية موزعة بين أهم المدن المغربية وترتكز أهداف هذه المراكز منها مراكز  على تعليم اللغة منها الاسبانية والألمانية والفرنسية على الخصوص، كما يستفيد من هذه الخدمة عدد كبير من المنخرطين فقد وصل عدد المسجلين في دروس التقوية في اللغة الفرنسية لسنة 2004 كبير إلى 30.000 بمدينة الرباط و 25.000 بالدارالبيضاء و 6.000 بمراكش ويمكن للطلبة التابعين للمركز الحصول على دبلوم خاص بالدراسات في اللغة الفرنسية DELF أو DALF.
     كما تسعى هذه المراكز أيضا إلى نشر الثقافة الأوروبية وكذا التقريب بين الثقافتين المغربية والأوروبية.
وفي المجال الفني نجد أن المراكز الأوربية تحرص على تسجيل حضورها المستمر على مستوى أهم التظاهرات والمواعيد الفنية ذات الدلالة القيمية في الحياة الاجتماعية المغربية وعلى العموم فشبكة المراكز الثقافية الأوروبية بالمغرب تعمل بصفة مستمرة على تطوير وتوسيع أنشطتها، ففي كل سنة تأتي هذه المراكز بفكرة جديدة تمكنها من اقتحام مجالات جديدة، وإذا أخذنا نموذج المركز الثقافي الفرنسي الموجود بمدينة الرباط فإننا نجد أنه بالإضافة إلى أنشطته التقليدية والمتمثلة في استضافة مختلف الفعاليات الثقافية الفرنسية وإقامة المعارض واللقاءات بين مثقفي البلدين، وكذا تنظيم التظاهرات الثقافية المعرفة بآخر الاصدارات الأدبية الفرنسية وكذا التركيز على إنجاز مشروع الشراكة مع كل الفعاليات الثقافية سواء كانت مؤسساتية أو مرتبطة المجتمع المدني ورغم أهمية كل هذه هذه المشاريع والبرامج، فإن ما يميز المركز الثقافي الفرنسي بالرباط هي المرافق الجد المتطورة التي يتوفر عليها ولاسيما خزانته الوسائطية المجهزة بأحدث الأجهزة ومختلف أنواع الوثائق، كتب، معاجم، مجلات جرائد دراسات في جميع المجالات والانترنت، كما يتوفر على قاعة الفيديو متكونة من 2500 فيديو و 2000 قرص ممغنط، بالإضافة إلى قاعة العروض التي تستخدم في اللقاءات الأدبية والطاولات المستديرة التي ينظمها المركز كل هذا جعل هذه الحزانة الوسائطية تتصدر المراتب الأولى على مستوى شبكة الخزانات الفرنسية بالخارج[14].
     وبصفة عامة يمكن القول أن ضخامة  شبكة المؤسسات الثقافية التي تعتمد عليها البعثات الأوروبية بالمغرب ودورها الفعال في مجال نشر ثقافتها ولغتها وكذا انخراطها في الحياة الثقافية المغربي لدليل على قوة حضورها الثقافي في المغرب.
المطلب الثاني : هشاشة آليات نشر الثقافة المغربية في أوروبا.
     إن الحديث عن آليات نشر الثقافة المغربية بأوروبا يدفعنا أولا إلى معرفة وحصر عدد الجالية المغربية المقيمة بأوروبا باعتبارها تشكل في مجموعها منظومة فكرية وسلوكية متميزة تمثل ثقافة بلدها الأصلي، كما أنها تعتبر المستفيد الأول من الآليات التي تضعها الدولة في سبيل نشر ثقافتنا.
       وبناءا عليه فإن الإحصائيات التي أجريت بهذا الخصوص تشير إلى وجود جالية قوية مغربية موزعة في أوروبا والجالية المغربية بفرنسا تعتبر بمثابة أهم جالية مغربية بأوروبا ومن الواضح أن هذه المجموعة قد تعرضت لتحولات كبيرة ولاسيما فيما يتعلق ببيئتها السوسيولوجيات حيث لم تعد تتكون من مجرد يد عاملة رخيصة بل أصبحت تضم في صفوفها فئات متعلمة وراغبة أكثر من الاندماج في المجتمع الأوروبي إن هذه الرغبة في الاندماج قد يترتب عليها تراضي الارتباط بين الجالية المغربية ومحيطها الأصلي، خاصة إذا كانت هذه الشريحة تعتبر أن السلطات المغربية لا تهتم بما فيه الكفاية بمشاكلها في المنهج كما هو الأمر بالنسبة للعنصرية  فيما يتعلق بالحجاب والمحافظة على الهوية، تعليم العربية وكذا ممارسة الشعائر الدينية، بل أكثر من ذلك لا تعيرها الاهتمام إلا خلال العطلة الصيفية. وإن كان المغرب قد عمل طيلة سنوات على تكثيف جهوده لمواجهة هذه الوضعية وذلك من خلال إحداثه سنة 1990 مؤسسة الحسن II للمغاربة القاطنين بالخارج. والتي تقوم بتنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية لصالح الجالية المغربية بالخارج، وكذا مساعدتهم على تمويل عدة مشاريع تدخل في ميادين مختلفة منها الثقافية.
     ورغم كل هذه الجهود فإن الواقع يكشف عن غياب مؤسسات ثقافية تابعة للدولة تعمل على التعريف بالثقافة المغربية بأوروبا. فباستثناء "دار المغرب بفرنسا" المتواجدة بالحي الجامعي الدولي بباريس والتي تتحدد مهمتها في إيواء الطلبة المغاربة المقيمين في فرنسا والحاصلين على منح للدراسة حيث تصل طاقتها الاستيعادية إلى 239 طالب، موزعين على 207 غرفة هذا بالإضافة إلى 20 غرفة أخرى مهيأة لاستقبال المغاربة الذين يتلقون تداريب بهذا البلد لفترات محددة.
فباستثناء هذه الدار نسجل غياب تام على مستوى المراكز الثقافية، وإن كان المغرب قد صرح في عدة مناسبات عن عزمه على إنشاء مراكز ثقافية بأوروبا إلا أن هذا المشروع لم ير النور إلى يومنا هذا.
     أمام هذا الواقع يبقى السبيل الوحيد لتعلين اللغة العربية والتعريف بالثقافة المغربية هو الاعتماد على بعض المؤسسات التعليمية الأوروبية، وكذا الجمعيات المغربية والمساجد ويخضع هذا التعليم لمقتضيات الاتفاقية الموقعة[15] بالنسبة لفرنسا والمغرب في 14 نونبر 1983 والتي نصت على إمكانية إدماج اللغة العربية وتدريس أصولها وثقافتنا في حصص رسمية ضمن باقي المواد المدونة اعتياديا في المؤسسات التربوية الأوروبية وذلك لفائدة التلاميذ المغاربة المقيمين بفرنسا[16] إلا انه ابتداء من سنة 1995 عرفت هذه النسبة انخفاضا إلى حدود 2004 تراجعت فيها نسبة إقبال التلاميذ على هذا لتعليم ب 3,82% وعلى العموم يبقى عدد المستفيدين من الدروس في اللغة العربية هزيلا بالنظر 
إلى مجموع التلاميذ المغاربة المتمدرسين ضمن المنظومة التربوية بأوربا.
أما بالنسبة للبعثة التعليمية الموفدة من طرف كل من وزارة التربية الوطنية ومؤسسة الحسن II للمغاربة المقيمين بالخارج حيث تقدم تعليم مندمج حيث تندمج دروس اللغة العربية ضمن النظام البيداغوجي للمدرسة وفق فترة زمنية محددة باتفاق مع السلطات التربوية بأوروبا لا تتعدى 3 ساعات. وكذلك تعليم مؤجل يتلقاه التلاميذ خارج الأوقات الدراسية ثم التعليم غير النظامي أو الموازي الذي يعطي دروس داخل المساجد والجمعيات بأوروبا في أيام العطل والسبت والأحد. حيث تشرف عليه جمعيات المغاربة القاطنين بالخارج إلا أنه رغم هذه الجهود والاعتمادات المالية للارتقاء بعملية تعليم اللغة العربية والثقافية المغربية بأوروبا يبقى هشا ومنتقدا لأنه لا يلائم المحيط والنظم والأساليب التربوية المعمول بها في بلدان الإقامة بأوروبا.
وضعف وسائل التعليم المستعملة وكذا النقص الحاصل في الأطر التعليمية وعدم توفر على مراكز ثقافية مغربية خاصة بتعليم هذه اللغة.
كما تندرج إشكالية إدماج الجالية المغربية في أوروبا حول التمدرس والتكوين بالخصوص كما أنهم يعبرون عن متطلبات قوية في المجالين الديني والثقافي فالمسألة الدينية تبقى احد الاهتمامات الكبيرة المحتاجة لأماكن العبادة والتأطير الديني في العديد من البلدان وقبل الحادي عشر من شتنبر 2001 ،لكن بصفة أشد من ذلك أصبح الإسلام يثير حذرا وجدالات عامة وأصبحت حكومات بلدان الإقامة تبادر إلى تنظيم المجموعات الإسلامية وإلى التصريح برغبتها في الحد من "التدخل الخارجي".
     لكن وبشكل عام فالجاليات المغربية خصوصا بأوروبا تعبر عن العديد من المطالب ذات الصلة بالإشكالية الثقافية منها إحداث مراكز ثقافية مغربية ببلدان الإقامة وهذه الطلبات نتيجة لإدماج الجالية من البلدان الأوروبية فالمطلوب ضمان الهوية المغربية وتأمين نقلها للأجيال الجديدة لأن اكتساب الثقافة المغربية هو إحدى الوسائل لضمان مستقبل منسجم ومتوازن.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن الملك محمد السادس في يوم 6 نونبر 2006 كلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمهمة القيام باستشارات واسعة مع جميع الأطراف المعنية منها لجنة الهجرة التابعة للمجلس وفريق عمل مكون من باحثين مغاربة يشتغلون بالمغرب أو بالخارج ومن فاعلين جمعويين ومنتخبين من أصول مغربية مقيمين بالخارج، كما استعان المجلس بخبرات وتجارب وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج ومؤسسة الحسن II للمغاربة المقيمين بأوروبا أو بالدول الأجنبية الأخرى ومؤسسة محمد الخامس للتضامن وسفراء جلالة الملك في العديد من بلدان الهجرة.
وذلك لإنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج وذلك لتكريس جهوده لتقوية مساهمتهم في التنمية الاجتماعية والبشرية وتعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين المغرب وبلدان المهجر منها الاستجابة على نحو أفضل للحاجيات المعبر عنها من طرف مغاربة بالدول الأوروبية أو بالخارج بصفة عامة خصوصا فيما يتعلق بتعليم اللغات وتلقين العبادات ومزاولتها والتنشيط الفني والثقافي والتواصل وكذا تطوير استراتيجيات عصرية للتوصل عبر شبكات مختلفة بما يتلاءم مع كل السياقات من أجل الإسهام في تحقيق تقارب المغرب مجتمعا ودولة مع البلدان الأوروبية على الأصعدة الثقافية والنهوض بالموارد البشرية.
كما تجدر الإشارة إلى أنه من المستجدات في هذا الصدد وبالضبط (البارحة) 05-03-2013 حيث صرح وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر لحسن الداودي إن المغرب يسعى لأن يصبح قطبا علميا وانتاجا بمنطقة أوروبا حيث صرح عقب لقائه بكاتبة الدولة الاسبانية في البحث والتنمية والابتكار-السيدة كارم نبيلا وأولمو -أن هذه الفكرة أضحت تحظى بدعم العديد من الدول الأوروبية كاسبانيا وفرنسا وذكر الوزير في هذا الصدد بإحداث الجامعة الأورومتوسطية بمدينة فاس التي تطمح إلى نشر المعرفة والتكوين والبحث من مستوى عال مع التركيز على مواضيع ذات فائدة بالنسبة للفضاء الأورومتوسطي كما أضاف أن مباحثاته مع المسؤولة أيضا خلصت إلى تطوير التعاون بين البلدين في مجال البحث العلمي، كما ناقشا لقاء مجموعة  5+5 المقبل بالمغرب وإمكانية خلق مجموعات  تحدد المجالات التي يمكن أن تحدث فيها مختبرات مشتركة للتكنولوجيا الدقيقة جدا، كما بحثنا موضوع التعاون بين معهد مدريد للبوليتكنيك وبين عدد من الجامعات المغربية وخلق مجموعات مغربية إسبانية للبحث العلمي وتندرج زيارة الوزير إلى اسبانيا في إطار مشروع التوأمة المؤسساتية المغرب فرنسا – اسبانيا (2011-2013) الذي يروم دعم المنظومة الوطنية للبحث العلمي في المغرب من أجل الاندماج في الفضاء الأوروبي للبحث.
خاتمة:
    من مجمل ما تطرقنا له يمكن للعامل الثقافي أن يقوم بدور هام في إرساء علاقات مغربية أوربية متعددة الأبعاد والجوانب، بحيث يساهم في تقوية معرفة الطرف الأخر وفي إبراز النقط المشتركة بغية توظيفها بشكل إيجابي في المستقبل.
ولهذا لا بد أن يتجاوز التعاون الثقافي بين المغرب وأوربا، الإطار التاريخي ليشمل مختلف فروع العلوم الإنسانية ومناهج التربية والتعليم والقانون.
     فالتربية والتعليم لهما دور مهم في تفعيل الحوار على المدى البعيد لان الأجيال القادمة وتأطيرها في اتجاه الانفتاح والاطلاع على الثقافات الأخرى سيساهم في التعايش السلمي، فالعامل الثقافي يمكن أيضا أن يساهم في تطوير العلاقات بين كلا ضفتي المتوسط شماله مع جنوبه.
     فقد بات واضحا المكانة المتميزة التي تحتلها الثقافة الأوربية بالمغرب إلى جانب ثقافات أجنبية أخرى، وفي ظل التحولات المتسارعة التي يتجه فيها العالم نحو تفاعل ثقافي يعمل يوما عن يوم على صهر الخصوصيات الثقافية وإذابتها في نسيج ثقافة معولمة مستقوية بالوسائل الإعلامية المتطورة، وهو ما أدى إلى بروز خطابات الهوية الثقافية لدى الشعوب المستضعفة وحتى لدى بعض الدول القوية كفرنسا التي رفعت شعار الاستثناء الثقافي في وجه العولمة الزاحفة وكان من نتائج هذه التحولات الدولية بروز المسألة الثقافية كانشغال استراتيجي وانتقال خلية الصراع من ساحة الاقتصاد والإيديولوجيات السياسية.



No comments:

Post a Comment